مصدر الصورة: الجزيرة نت
أحد عشر عاماً مرت على الضربات الكيميائية التي استهدفت أول مرة الغوطة في ريف دمشق، وبدأت بعدها سلسلة هجمات طالت مواقع مختلفة في سوريا، أضعف ضحاياها أطفالٌ لم يولدوا بعد، استنشقت أمهاتهم الحوامل آنذاك غازات سامة أدت لتغيرات في نمو الأجنة، وغالباً فقدان حياتهم.
ووثق مركز توثيق الانتهاكات الكيميائية في سوريا CVDCS، ولادة 11 حالة لأجنة مشوهة في الغوطتين الشرقية والغربية، وحصول 32 حالة إجهاض.
ماذا حدث في عام 2013؟
استخدم النظام السوري ترسانته الكيميائية لقصف الغوطة الشرقية والغربية المحيطة بالعاصمة دمشق، في 21 آب/ أغسطس 2013، والتي كانت حينها تحت سيطرة قوات المعارضة.
أدى هجوم الغوطة إلى مقتل نحو 1400 شخص جلهم من النساء والأطفال، واستقبلت 3 مستشفيات في منطقة ريف دمشق ما يقرب من 3600 مريض عانوا من أعراض استنشاق الغازات الكيميائية السامة.
الأجنة المشوهة وحالات الإجهاض
ما بين عامي 2013-2014، وثق مركز توثيق الانتهاكات الكيميائية في سوريا CVDCS، ولادة 11 حالة لأجنة مشوهة في غوطة دمشق الشرقية (6 زملكا، 1 عين ترما، 1 عربين، 1 دوما) والغربية (2 المعضمية) بفعل الضربات الكيميائية، كما وثق المكتب الطبي الموحد في الغوطة الشرقية (بالتعاون مع CVDCS) حصول 32 حالة إجهاض بفعل استنشاق المواد الكيميائية، موثقة بصور السنوار التي تثبت حصول تشوهات مختلفة لدى الأجنة، وحصل عليها CVDCS.
وشهد شهر أيار/ مايو 2014 ولادة أول ثلاث حالات لأطفال مشوهين نتيجة استنشاق أمهاتهم أثناء فترة الحمل لغازات سامة، تم توثيق حالاتهم من قبل مركز توثيق الانتهاكات الكيميائية في سوريا CVDCS.
الدكتور أيمن مصطفى عيسى، وهو طبيب إسعاف سابقاً في المكتب الطبي الموحد بالغوطة الشرقية، أثناء القصف الكيميائي، قال لمركز توثيق الانتهاكات الكيميائية، إنه يمكن إرجاع حالات الإجهاض التي حصلت للنساء اللاتي تعرضن للضربة الكيميائية في الغوطة إلى سببين، إما بسبب الخوف والرعب من القصف الكيميائي الذي حدث لأول مرة في سوريا داخل الغوطة، أو بسبب استنشاق الغاز الكيميائي (الذي تبين فيما بعد أنه السارين).
وأضاف عيسى أن الأطباء المتواجدين في الغوطة الشرقية حينها كانوا لا يمتلكون إلا أدوات وإمكانيات محدودة، ولم يستطيعوا فحص الحالات والتأكد من الأسباب على وجه الدقة، كون المنطقة محاصرة تماماً، ولأن الأمر يحتاج لمختبرات خاصة وأسلوب علمي ممنهج ودقيق “لم يكن متاحاً لهم في ذلك الوقت”.
درجات التشوهات
استنشاق الغازات الكيميائية والسموم، يُسبب تشوهات داخل رحم الأم، وخاصة خلال الأسابيع العشرة الأولى من الحمل ما يؤدي إلى اضطراب في تكوين أعضاء الأجنة وهو ما يعرف طبياً باسم “TERATOGENICITY”، أما المواد الكيميائية التي تتعرض لها الأم في الأشهر المتأخرة من الحمل، فغالباً ما تصيب الجهاز العصبي (الدماغ) للجنين.
إذاً، التشوهات الخلقية التي حدثت للأجنة في الغوطة حدثت نتيجة استنشاق الأمهات أثناء الحمل للغازات السامة، ومعظمها تشوهات من الدرجة الأولى تمثلت بغياب الأطراف، وخلل بالجهاز العصبي للمواليد نتيجة استنشاق الأمهات للغازات السامة، ما أدى لنقص في السائل الأمينوسي للجنين بالتالي حدوث تشوهات.
وبعض التشوهات التي لاحظها الأطباء في الغوطة أصابت الجهازين العصبي والعظمي، بدت واضحة في الأقدام والقفص الصدري، وأدت في بعض الحالات لضمور في نمو الدماغ وسببت تأخراً في النمو، كما شمل بعضها غياب الجزء القذالي والصدغي المشكل لعظم الجمجمة، وتوفي أغلب الأطفال بعد الولادة مباشرة أو خلال مدة قصيرة.
وبحسب الدكتور أيمن مصطفى عيسى، لاحظت الفرق الطبية حصول تشوهات بنسبة تصاعدية في الولادات خلال 5 سنوات بعد الضربة (حتى خروج المعارضة من الغوطة في عام 2018 نحو الشمال السوري)، أغلبها كانت حالات تشمل ضموراً عقلياً وتشوهات عصبية وتأخراً في النمو.
دراسة من أرض الواقع
بعد 18 شهراً من القصف الكيميائي على غوطة دمشق، نشرت مجلة “The Lancet” الطبية، دراسة صدرت عن مستشفى الغوطة التخصصي، في 23 شباط/ فبراير 2015، أجراها الطبيبان عمر حكيم وسوسن جبري.
وعملت الدراسة على مراقبة حمل النساء والوظائف الأساسية للجسم وحالة نموها، خلال 3 أشهر (أيلول/ سبتمبر، وتشرين الأول/ أكتوبر، وتشرين الثاني/ نوفمبر) من عام 2014.
وأظهرت النتائج أن النساء الحوامل اللاتي تعرضن للغازات السامة المنطلقة من الأسلحة الكيميائية في الغوطة كن أكثر عرضة للإجهاض أو الولادة قبل الأوان.
وشملت الدراسة 211 امرأة تعرضت للغاز الكيميائي، 110 منهن قلن إنهن تعرضن للهجوم الكيميائي، وكان هناك 49 حالة إجهاض (أي نسبة 45%)، منهن 38 امرأة أجهضت في الأشهر الثلاثة الأولى من الحمل، و11 امرأة أجهضت في الأشهر الثلاثة الثانية.
وبينت الدراسة أن هناك 4 حالات ولادة مبكرة (أقل من 34 أسبوعاً)، توفي منها طفلان بعد الولادة بوقت قصير، و3 حالات إملاص (أي ولادة الطفل متوفياً).
وبحسب الدراسة فإن 7 نساء تعرضن للكيميائي تمت ولادتهن خلال الأشهر الثلاثة الأولى أنجبن أطفال مصابين بتشوهات، توفي 5 منهم بعد ساعات أو أيام من الولادة ونجى حينها طفلان (أحدهما يعاني من تشوهات في القلب والآخر من وذمة دماغية)، ولم يعرف مصيرهما حتى لحظة تحرير المادة.
وشملت النتائج السريرية بين الأطفال المتوفين وجود تشوهات متعددة في الرأس والحبل الشوكي، وغياب العظام القذالية والجدارية للجمجمة، وصغر حجم الدماغ مع وجود كمية كبيرة من السوائل بين الجمجمة وفروة الرأس، وتشريح الجلد في العديد من مناطق الجمجمة. الجسم، وكثرة الجلطات في الحبل السري.
التحقق من استخدام الأسلحة الكيميائية
وثق القصف الكيميائي في آب/ أغسطس 2013 وآثاره نحو 100 فيديو انتشر على وسائل التواصل الاجتماعي، حصل عليها فريق “هيومن رايتس ووتش” التابع للأمم المتحدة وعلى دلائل أخرى، للتحري عن نوع الغاز المستخدم.
وبيّن تقرير “هيومن رايتس ووتش” (المنظمة المعنية بحقوق الإنسان)، أن الضربة الكيميائية على ريف دمشق استُخدم فيها “غاز السارين”.
وخلص التقرير إلى أنه “من المرجح أن هجمات 21 آب/ أغسطس قد تمت بأسلحة كيميائية، باستخدام نظام صواريخ 330 ملم أرض أرض، يُرجح أن يكون إنتاجاً سورياً، ونظام صواريخ 140 ملم من الحقبة السوفيتية، وأن الصواريخ المذكورة استخدمت في توصيل غاز أعصاب. يظهر من الأدلة أن غاز الأعصاب المستخدم هو في الأغلب غاز سارين أو غاز أعصاب مماثل على درجة سلاح”.
الأمر الذي دعا المملكة المتحدة والولايات المتحدة إلى طلب التحقق من استخدام النظام السوري الأسلحة الكيميائية، ما دفع الأمم المتحدة إلى تهديد النظام، ووضع ترسانته الكيميائية تحت تصرف منظمة حظر الأسلحة الكيميائية ضمن قرار (2118)، وتدمير الترسانة في تشرين الأول/ أكتوبر 2013، وذلك بعد انضمام سوريا إلى معاهدة حظر استخدام الأسلحة الكيميائية، في أيلول/ سبتمبر.
ما هو غاز السارين؟
هو عامل أعصاب فوسفوري عضوي شديد السمية، تم تطويره للاستخدام في الحرب الكيميائية خلال الحرب العالمية الثانية، ولا يزال يستخدم كسلاح حتى اليوم، وفق موقع NTP.
NTP أو national toxicology program وهو البرنامج الوطني لعلم السموم، هو برنامج مشترك بين الوكالات تديره وزارة الصحة والخدمات الإنسانية الأمريكية، لتنسيق وتقييم وإعداد تقارير عن علم السموم داخل الوكالات العامة.
ويؤكد الموقع أن التعرض للسارين يمكن أن يؤدي إلى الوفاة، أو آثار صحية قصيرة المدى بما في ذلك النوبات والشلل وصعوبة التنفس خلال 24 ساعة من التعرض. كما يمكن ملاحظة الآثار الصحية طويلة المدى للتعرض للسارين بعد أيام أو أسابيع أو سنوات من التعرض.
وبحسب صحيفة بوليتيكو (politico) السياسية، فمن المرجح أن الدول تلجأ لاستخدام الهجمات الكيميائية أثناء الحروب، بسبب فعاليتها “المرعبة” عندما يثبت السلاح العسكري “عدم فعاليته”.
assad_regime chemial_attack_syria douma ghouta opcw