Image source: wikimedia
نشر مركز أبحاث “Atlantic Council” مقالاً للخبيرتين القانونيتين المحاميتين جيان سولزر وكلمنس ويت، حول القرار التاريخي لمحكمة الاستئناف في باريس الصادر في 26 يونيو/حزيران 2024، الذي أيدت فيه مذكرة التوقيف الصادرة من قضاة فرنسيين في نوفمبر/تشرين الثاني 2023، بحق بشار وماهر الأسد، وضابطين آخرين رفيعي المستوى، على خلفية استهداف الغوطة الشرقية بالأسلحة الكيميائية عام 2013، ما أسفر عن مقتل نحو 1400 مدني وإصابة نحو 6 آلاف آخرين.
وأكد المقال على أن المحكمة الفرنسية أرست بمذكرة التوقيف ضد بشار الأسد، سابقة قانونية بأن رؤساء الدول لا يمكن أن يحظوا بحصانة مطلقة تحول دون ملاحقتهم على جرائم جسيمة مثل استخدام الأسلحة الكيميائية ضد المدنيين، المصنفة على أنها جرائم حرب، وجرائم ضد الإنسانية.
الحصانة الشخصية في القانون الدولي
الحصانة الشخصية، هي مبدأ قانوني دولي يمنح بعض المسؤولين الكبار مثل رؤساء الدول حصانة من الملاحقة القضائية أثناء توليهم مناصبهم. تاريخياً، كانت هذه الحصانة تشمل جميع الأفعال التي يقوم بها المسؤولون خلال فترة ولايتهم، بغض النظر عن طبيعتها. ومع ذلك، تبرز تساؤلات حول مدى “مطلقية” هذه الحصانة، لا سيما في حالات الجرائم الدولية الكبرى مثل الجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب.
لماذا رفعت فرنسا الحصانة عن بشار الأسد؟
أوضحت الخبيرتان القانونيتان أن قرار محكمة الاستئناف الفرنسية برفع الحصانة عن بشار الأسد جاء بناءً على قناعة المحكمة بأن الحصانة الشخصية لا تشمل الأفعال التي تنتهك القانون الدولي بشدة.
وقالتا في مقالهما إن المحكمة رأت أن استخدام الأسلحة الكيميائية ضد المدنيين لا يُعد من المهام الرسمية التي يقوم بها رئيس الدولة في إطار واجباته السيادية، بل هو عمل يشكل انتهاكاً صارخاً للقواعد الآمرة في القانون الدولي، مثل حظر استخدام الأسلحة الكيميائية.
وأوضحتا أن المحكمة قضت بأن الحصانة الشخصية تهدف إلى حماية المسؤولين خلال أدائهم وظائفهم الدبلوماسية والسيادية، مثل تمثيل الدولة في المحافل الدولية، أما الأفعال التي ترقى إلى جرائم دولية، مثل استخدام الأسلحة الكيميائية، فهي تتجاوز هذا الإطار، ولا يمكن لرئيس الدولة الاستفادة من حصانته الشخصية للتملص من المساءلة عن مثل هذه الجرائم.
وأضافت الخبيرتان أنه “يبدو واضحاً أن سوريا لن تلاحق بشار الأسد قضائياً على هذه الجرائم، وأنها لن تتنازل أبداً عن الحصانة الشخصية لرئيسها، وبما أنه لا توجد محاكم دولية لديها ولاية قضائية، لأن سوريا ليست طرفاً في نظام روما الأساسي، فيجب القول إن مذكرة التوقيف الصادرة ضد بشار الأسد لا يشوبها أي بطلان”.
وأشارتا إلى أنه في الحالة السورية، لم تتخذ “السلطات القضائية السورية” أي خطوات نحو مقاضاة مرتكبي الهجمات الكيميائية، ومن الواضح أن بشار الأسد ليس لولاياته الرئاسية مدة واضحة، خاصة وأنه قد شغل المنصب لمدة أربعة وعشرين عاماً، ومع غياب دور محكمة دولية مختصة، ورفض جميع المحاولات لإحالة القضية إلى المحكمة الجنائية الدولية، فقد ضمنت محكمة الاستئناف في باريس، من خلال مذكرة التوقيف بحق بشار الأسد، أن الحصانة لا تعني الإفلات من العقاب، كما وفرت مساراً للضحايا من أجل السعي إلى الحقيقة والعدالة.
تأثيرات القرار ومستقبل المساءلة
ورأت الخبيرتان أن قرار المحكمة يمثل خطوة جريئة نحو وضع حد لفكرة الحصانة المطلقة التي طالما استغلها رؤساء الدول للإفلات من العقاب على الجرائم الدولية، ومن خلال هذا الحكم، أرسلت فرنسا رسالة واضحة بأن استخدام الأسلحة الكيميائية والجرائم الدولية الجسيمة لا يمكن تبريرها بوظائف الدولة السيادية، وأن المسؤولين عن هذه الجرائم يجب أن يواجهوا العدالة.
ولفتت الخبيرتان إلى أن القرار النهائي المتوقع من محكمة النقض الفرنسية “المحكمة العليا في فرنسا” سيكون حاسمًا في تحديد ما إذا كان سيتم تأكيد هذا الحكم التاريخي أو إلغاؤه، وسيكون له تأثير كبير على القانون الدولي وعلى جهود المساءلة عن الجرائم الدولية الخطيرة.
المجلس الأطلسي Atlantic Council:
هو مركز بحثي غير ربحي ومؤسسة فكرية مقرها الولايات المتحدة الأمريكية في العاصمة واشنطن، يركز على السياسة الدولية والأمن والشؤون العالمية، تأسس عام 1961 ويهدف إلى تعزيز التعاون عبر الأطلسي، خصوصًا بين الولايات المتحدة وأوروبا، في مجالات الأمن الدولي والسياسة الخارجية والاقتصاد.
كاتبتا المقال:
جيان سولزر: محامية في نقابة باريس ومستشارة مدرجة في قائمة المحكمة الجنائية الدولية. أسست مكتب “Impact Litigation” القانوني، وتمثل ضحايا الجرائم الدولية بما في ذلك قضية الهجمات الكيميائية في سوريا عام 2013 في فرنسا.
كلمنس ويت: محامية جنائية في نقابتي باريس وبرشلونة، وتدرس القانون الجنائي وإجراءاته في معهد الدراسات السياسية في جامعة “Sciences Po” باريس.
assad_regime chemical_attack chemical_weapons France