This image created by AI
يعيش السوريون في 21 آب/ أغسطس، من كل عام ذكرى ضربتين استخدم فيهما مواد كيميائية، في منطقتين مختلفتين من سوريا (الغوطة بريف دمشق جنوبي سوريا، ومارع بريف حلب شمالي البلاد)، إحداهما استخدم فيها غاز السارين كسلاح كيميائي حربي ضد المدنيين، والأخرى استخدم فيها غاز الخردل.
بلغ الفارق الزمني بين الضربة الكيميائية الأولى في سوريا والثانية، سنتين (2013 و2015)، وما يوحد هذين التاريخين، هو أن السوريين تعرضوا خلالهما لغازات كيميائية استُخدمت ضدهم كسلاح حربي.
ما بين 9 حتى 11 عاماً على انقضاء الجريمتين، ما يزال مرتكبوها من دون عقاب على الرغم من اختلاف المجرم، ونوع الغاز المستخدم، فماذا حدث في هذا اليوم؟
استهداف الغوطة
في 21 آب/ أغسطس 2013، استخدم النظام السوري ترسانته الكيميائية لقصف مناطق متفرقة في ريف العاصمة (بغوطتيها الشرقية والغربية)، بقذائف تحتوي على غاز السارين، أدى الهجوم لمقتل 1400 مدني أغلبهم من النساء والأطفال، كما استقبلت 3 مستشفيات في ريف دمشق ما يقرب من 3600 مريض عانوا من أعراض استنشاق الغازات الكيميائية السامة.
ونجحت قوات المعارضة من السيطرة على غوطة دمشق منذ عام 2012، وفي أيار/ مايو 2013، حاصرت قوات النظام المنطقة ونشرت مئات الحواجز العسكرية على طول حدودها، وبدأت منذ ذلك الحين بقصف جوي وصاروخي استهدف الأحياء السكنية والمرافق الحيوية.
ووثق القصف الكيميائي في آب/ أغسطس وآثاره نحو 100 فيديو انتشر على وسائل التواصل الاجتماعي، حصل عليها فريق “هيومن رايتس ووتش” التابع للأمم المتحدة وعلى دلائل أخرى، للتحري عن نوع الغاز المستخدم، وبيّن التقرير أن الضربة الكيميائية استُخدم فيها “غاز السارين”.
وخلص التقرير المنشور في شهر أيلول/ سبتمبر 2013، إلى أنه “من المرجح أن هجمات 21 آب/ أغسطس قد تمت بأسلحة كيميائية، باستخدام نظام صواريخ 330 ملم أرض أرض، ونظام صواريخ 140 ملم من الحقبة السوفيتية، وأن الصواريخ المذكورة استخدمت في توصيل غاز أعصاب، ويظهر من الأدلة أن غاز الأعصاب المستخدم هو في الأغلب غاز سارين أو غاز أعصاب مماثل على درجة سلاح”.
تزامن هذا التقرير مع آخر أصدرته بعثة الأمم المتحدة حول “مزاعم استخدام الأسلحة الكيميائية”، والذي أكد استهداف المدنيين عبر صواريخ أرض-أرض محملة بغاز السارين، في عين ترما والمعضمية وزملكا في غوطة دمشق.
ما هو غاز السارين؟
السارين هو سائل شفاف ليس له لون أو طعم أو رائحة (محسوسة)، يمكن أن يتبخر بسهولة ويتحول إلى بخار (غاز)، وعندما يدخل الجسم فإنه يتفاعل مع الأنزيم الذي يتفاعل مع العضلات بالتالي يشعر الأشخاص المعرضون للغاز بالتعب وعدم القدرة على مواصلة التنفس.
السارين هو عامل أعصاب فوسفوري عضوي شديد السمية، تم تطويره للاستخدام في الحرب الكيميائية خلال الحرب العالمية الثانية، وما يزال يستخدم كسلاح حتى اليوم، وفق موقع NTP.
NTP أو national toxicology program وهو البرنامج الوطني لعلم السموم، هو برنامج مشترك بين الوكالات تديره وزارة الصحة والخدمات الإنسانية الأمريكية، لتنسيق وتقييم وإعداد تقارير عن علم السموم داخل الوكالات العامة.
ويؤكد الموقع أن التعرض للسارين يمكن أن يؤدي إلى الوفاة، أو آثار صحية قصيرة المدى بما في ذلك النوبات والشلل وصعوبة التنفس خلال 24 ساعة من التعرض، كما يمكن ملاحظة الآثار الصحية طويلة المدى للتعرض للسارين بعد أيام أو أسابيع أو سنوات من التعرض.
استهداف مارع
تزامناً مع إحياء الذكرى السنوية الثانية لقصف المدنيين بالمواد الكيميائية لأول مرة في سوريا، استُهدفت مدينة مارع الواقعة بريف حلب الشمالي، في 21 آب/ أغسطس 2015، أدى لوفاة طفلة وإصابة مدنيين آخرين من عائلة واحدة، ليتبين لاحقاً أن القصف كان بمادة الخردل.
وأكدت الجمعية الطبية السورية الأمريكية، حينها، أن مستشفى ميدانياً تابعاً لها في مارع عالج أكثر من 50 مدنياً ظهرت عليهم أعراض التعرض لمواد كيميائية، وأن نحو 30 منهم أصيبوا بتقرحات جلدية.
واستُهدفت مارع في 21 آب/ أغسطس 2015، بعشرات قذائف الهاون والمدفعية، من قبل عناصر داعش، بعد ليلة من المواجهات ضد فصائل المعارضة على محور صوران اعزاز شمالي المدينة، وكان تنظيم داعش حاصر المدينة منذ 2013 وحتى 2016، في حين استمرت معارك محاولات السيطرة عليها منذ 2014، مع التنويه إلى أن حدود تمدد التنظيم في عام 2015 كانت ما بين مدينة الرمادي وسط العراق وصولاً حتى مدينة منبج بريف حلب غربي سوريا.
هذا وتعرضت المدينة بعد أيام لهجومَين اثنين بغاز خردل الكبريت، في 1 و3 أيلول/ سبتمبر، أدت لوفاة 20 شخصاً على الأقل، وتأكد فريق تحديد الهوية IIT التابع لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية، بعد تحقيق مطوّل، من أن الجهة التي ارتكبت الهجوم هي داعش.
ما هو غاز الخردل؟
الخردل هو عامل حرب كيميائي من صنع الإنسان، وهو غاز عديم اللون والرائحة في صورته النقية، عندما يمتزج بالمواد الكيميائية الأخرى يصبح مائل للون الأصفر أو البني الغامق، ويكتسب رائحة تشبه رائحة الثوم، يمكن للجسم أن يتشرب هذه المادة بجميع الطرق الممكنة كالاستنشاق أو اللمس أو من خلال الطعام أو الشراب الملوث بالغاز.
يمكن أن يكون خردل الكبريت على شكل بخار (غاز)، أو سائل ذو ملمس زيتي، أو مادة صلبة، ويكون سائلاً في درجة حرارة الغرفة، ويكون خردل الكبريت عادةً على شكل مادة صلبة عندما تكون درجة الحرارة أقل من 58 درجة فهرنهايت (14,44 درجة مئوية).
ولغاز الخردل، آثار وخيمة على الصحة والأرواح. وقد سبق لمنظمة الصحة العالمية أن حذرت من المخاطر الجسيمة التي تنجم عن استخدام هذا الغاز أو المواد التي تعرض لها.
ويعتبر غاز الخردل مهيج قوي ويسبب حدوث التهابات، ويسبب حروق وبثور جلدية ويخرب المجاري التنفسية، ويؤدي استنشاق غاز الخردل إلى السعال والتهاب الرئتين وتخرّشهما كما يسبب مرضاً رئوياً يستمر لمدة طويلة وقد يؤدي إلى الموت، وغيرها من الآثار المرضية الخطيرة الأخرى.
الترسانة الكيميائية في سوريا وسحبها
يعود ملف الأسلحة الكيميائية في سوريا إلى سبعينيات القرن الماضي بعد أن تلقتها دمشق من مصر، ثم بدأت بالإنتاج المحلي في الثمانينات.
وبحسب موقع Nuclear Age Peace Foundation “مؤسسة السلام في العصر النووي”، امتلكت سوريا حتى عام 2006 كل من:
– قنبلة جوية تزن 500 كيلوغرام، ورؤوس حربية كيميائية لصواريخ سكود-بي.
– مستودعان للذخائر الكيميائية في خان أبو الشامات (في الرحيبة ريف دمشق)، والفرقلس شرقي حمص وسط سوريا.
وأكدت تقارير للمخابرات الغربية نشرتها هيئة الإذاعة البريطانية BBC عام 2017، أن مراكز البحوث العلمية في كل من جمرايا وبرزة ومصياف تنتج “أسلحة كيميائية”.
وبُني مركز الدراسات والبحوث العلمية في جمرايا قرب العاصمة دمشق، في ثمانينيات القرن الماضي بدعم من الاتحاد السوفياتي، ويتميز بموقع قريب من مقرات عسكرية تابعة للفرقة الرابعة والحرس الجمهوري.
كما يوجد داخل دمشق مركز الدراسات والبحوث العلمية في برزة، كان أُسس في سبعينيات القرن الماضي، بالتشارك حينها ما بين الحكومة السورية ووكالة الأبحاث الحكومية الفرنسية، ويقول النظام السوري إنه مخصص “للأبحاث المدنية”.
وفي ريف حماة الغربي وسط سوريا، أُنشئ مركز الدراسات والبحوث العلمية في سبعينيات القرن الماضي وأشرف عليه خبراء من كوريا الشمالية، كان وقتها تابعاً لوزارة الدفاع، وفي عام 2010 أصبح تابعاً لمركز البحوث العلمية.
وفي عام 2008 تم إنشاء مركز للدراسات والبحوث العلمية في مصياف، شارك في أعمال تصنيع الأسلحة الكيميائية، بالتعاون مع خبراء كوريا الشمالية.
وبعد استهداف ريف دمشق بالسلاح الكيميائي عام 2013، وإثبات استخدام غاز السارين كسلاح، دعا كل من المملكة المتحدة والولايات المتحدة إلى طلب التحقق من استخدام النظام السوري الأسلحة الكيميائية، ما دفع الأمم المتحدة إلى تهديد النظام، ووضع ترسانته الكيميائية تحت تصرف منظمة حظر الأسلحة الكيميائية ضمن قرار (2118)، وتدمير الترسانة في تشرين الأول/ أكتوبر 2013، وذلك بعد انضمام سوريا إلى معاهدة حظر استخدام الأسلحة الكيميائية، في أيلول/ سبتمبر.
وبعد 11 عاماً على حصول أول هجوم كيميائي في سوريا، قيّمت دول في مجلس الأمن، في حزيران/ يونيو 2024، مدى تعاون النظام السوري مع منظمة حظر الأسلحة الكيميائية بما يخص ملف الأسلحة الكيميائية، وفقاً لقرار مجلس الأمن 2118 لعام 2013.
واعتبرت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون نزع السلاح إيزومي ناكاميتسو أن النظام السوري غير متعاون مع منظمة حظر الأسلحة، فيما أعرب العديد من أعضاء مجلس الأمن عن قلقهم من أن “إعلان سوريا” بموجب اتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية ما يزال غير مكتمل، وشددوا على ضرورة محاسبة المسؤولين عن استخدام الأسلحة الكيميائية في سوريا، لمنع استخدامها في المستقبل.
وبسبب ما حدث من ضربات كيميائية على الغوطة في عام 2013، صادقت محكمة الاستئناف في باريس، 26 حزيران/ يونيو 2024، على مذكرة الاعتقال الدولية التي أصدرها قضاة التحقيق الفرنسيون، بحق الرئيس السوري بشار الأسد، بتهمة التواطؤ في ارتكاب جرائم ضد الإنسانية.
وكانت السلطات القضائية الفرنسية قد أصدرت مذكرات اعتقال بحق بشار الأسد وشقيقه ماهر، قائد الفرقة الرابعة، في تشرين الثاني الماضي 2023 إضافة للجنرالين غسان ابراهيم وبسام الحسن، بتهمة التواطؤ بهجمات تمثل جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.
ويعتبر هذا القرار الأول من نوعه، كونه أسقط حصانة بشار الأسد وأتاح ملاحقته بتهم ارتكاب جرائم حرب، وإصدار مذكرات دولية باعتقاله.
مطالبات
على الرغم من فظاعة المجزرتين في الغوطة ومارع، واستخدام كل من غاز السارين والخردل (بشكل منفصل) على المدنيين العزل، إلا أنه لم تتم محاسبة مرتكبي الجرائم، حتى اليوم (مذكرة توقيف بحق بشار وماهر).
ويذكّر مركز توثيق الانتهاكات الكيميائية في سوريا (cvdcs) أن حوادث الضربات الكيميائية في سوريا تنتهك بشكل صارخ قرارات مجلس الأمن ولا سيما القرار 2218 الموقع في جنيف في 17 حزيران/ يونيو 1925، كما أشير إليه في اتفاق 22 تشرين الثاني/ نوفمبر 1968، والذي يؤكد أن نشر الأسلحة الكيميائية وآليات إيصالها يشكل تهديداً خطيراً للسلم والأمن الدوليين.
ويشدد المركز على أن كل الانتهاكات الكيميائية في سوريا (البالغ عددها 262 ضربة) تتعارض مع المبادئ المنصوص عليها في بروتوكول حظر الاستخدام الحربي للغازات الخانقة أو السامة أو ما شابه من وسائل الحرب البكتريولوجية، ويتجاهل بشكل صارخ القرار 2209، المعتمد في آذار/ مارس 2015، والذي أدان فيه مجلس الأمن صراحةً استخدام المواد الكيميائية في الحروب.
ويؤكد المركز على أن الالتزام الحازم بدعم الاتفاقيات والقرارات الدولية والجهود التعاونية أمراً لا غنى عنه، وذلك من أجل الوصول لعالم أكثر أمناً وأماناً.
assad_regime chemical_attack chemical_weapons FFM ghouta IIT ISIL ISIS justice_on_hold MAREA syria